العالم شريف عبد الرحمان جاه: مثال للمعرفة الكونية

Autor del artículo: Mª Jesús Viguera

Fecha de publicación del artículo: 18/12/2015

Año de la publicación: 2015

Temas: , .

مارية خيسوس فيغيرا مولينس
جامعة كومبلوتينسي

Cherif13

يترأس البروفيسور شريف عبد الرحمان جاه مؤسسة الثقافة الإسلامية منذ إحداثها قبل أكثر من ثلاثين سنة. منذ ذلك الحين، واعتمادا على فريق من المساعدين الأكفاء، يتركز عمل هذه المنظمة غير الحكومية الثقافية، المستقة سياسيا وعقائديا، في إنتاج عطاءات ثقافية ذات جودة رائعة، وترمي إلى إيجاد صلات بين « الشرق » و « الغرب »، مبرزة هنا والآن ما تتوفر عليه الحضارة الإسلامية من إسهامات علمية وتقنية وأدبية. و يعتبر إنجاز هذه المهمة مقصدا هائلا، بل هي إحدى أفضل المساهمات التي يمكن القيام بها لصالح التعايش، الذي نحن جميعا في أمسّ الحاجة إليه، بين كل الكائنات، حتى نستطيع البقاء في هذا العالم المهدد بالخوف. إن الجهل وعدم التفاهم يخلقان جوا من اللاتسامح والتعتيمات تولد الرهابات.

إن نقل الثقافة يعني نشر النور. وتشير مؤسسة الثقافة الإسلامية، بكل وضوح، في موقعها الإلكتروني: « إن الغاية هي دوما المساهمة في تنمية التراث الطبيعي و الثقافي والمحافظة عليهما، والحث على الحوار لاجتثاث الأحكام المسبقة، وذلك انطلاقا من احترام الهوية الثقافية للشعوب ». يصاغ كل ذلك في فعاليات لامعة ومتعددة تقوم بها م.ث.إ، وتتمحور حول شخصية لا نظير لها هي شخصية الدكتور شريف عبد الرحمان جاه، الذي يقنع محاوريه بنبل خطابه وعمق رسالته.

ويكفي التعرف على أهدافه ومغازيه ومواقفه لكي نلاحظ حينا أنه ذو نزعة إنسانية مفعم بالمعرفة والسلام، وأنه، انطلاقا من مسقط رأسه في المغرب ومن جنسيته الإسبانية، عكس بعده الكوني، حيث أنجز للعالم هذه المهام التربوية و التواصلية التي تنشر مبادئ التعارف المشترك والأمل. تعمل م.ث.إ في 22 بلدا، وتنقل إليها قيم التفاعل الثقافي الذي لا يمكن الاستغناء عنه لتعويض الاختلالات العديدة و إصلاحها. إن القيام بهذا العمل يتطلب وجود نواة صلبة لها قناعة عظيمة، وهذه النواة هي الدكتور شريف.

أصدقاء» الله»

عندما تعرفت عليه، إبان الثمانينات، كان من بين قراءاتي حديثة العهد سيرة جد خاصة، مكرسة لسرد « المسند الصحيح الحسن في مآثر مولانا أبي الحسن »، وهو السلطان المريني من رجالات القرن الرابع الذي نشرتُ وترجمتُ مخطوطاتِه (التي يوجد أحدها في مكتبة الإسكوريال). هناك تنعكس مُثل السلوك، ومن بينها فصل حول « خلان » الله، مع تصوير بعضهم ممن اشتهر في تلك الحقبة ببلاد المغرب بسبب فضله وتبصره وعرفانه وورعه وزهده واعتزاله ووقاره. إن الأشخاص الذين ذكرهم «المسند» شكلوا جزءا من أدب الأولياء المغاربيين الذين قرأتهم جميعا وأنا معجبة بالغ الإعجاب بحيواتهم المتسمة بالنزاهة. وعندما تعرفت على الدكتور شريف عبد الرحمان جاه، ربطت بين صورته وعمله وأولئك الأجلاء الموقرين المحترمين بسبب تناغمهم وإيثارهم للغير.Caro-baja

لم تستثر غرابتي قط ملاحظة كم يُصغى إليه وكم  يُنظر إليه باحترام. ومنذ سنوات، تأكدت إلى أي درجة يكون موضوعَ عناية وإعجاب من طرف العديدين سواء في المغرب وإسبانيا أو في أماكن أخرى بكل تأكيد. أذكر فقط  هنا ما عبّر عنه  خوليو كارو باروخا من صداقة وإيثار حياله منذ تعارفهما وتعاونهما في الثمانينات والتسعينات. لقد حضرت بعض فصول هذه العلاقة الدالة على كيفية اعتراف المؤرخ والأنتربولوجي الإسباني الكبير، وهو من هو، بمواهب الدكتور شريف وكفاءاته.

لقد كان من حظي وظيفيا وإنسانيا المساهمة في بعض الأنشطة التي نظمتها وأنجزتها م.ث.إ، والتي كانت دوما تحت القيادة المتبصرة للدكتور شريف. ومن بين المؤتمرات التي حضرتها، وذلك منذ سنة 1988، تلك الأيام الدولية الأولى للثقافة الإسلامية « أراغون تعيش تاريخها » (التي نُشرت أعمالها سنة 1990) وإلى غاية الأيام المكرسة لـ « الإسلام والولاء للدستور: حوار مفتوح » التي نظمتها م.ث.إ  في مكتبة الأندلس الحية في شتاء سنة 2015.وتشكل المعارض أيضا إحدى المجالات التي تبرز فيها م.ث.إ قيمتها العلمية والتقنية مثل المعرض الرائع «قلم، فن الكتاب » الذي احتضنته المكتبة الوطنية للمملكة المغربية (الرباط، 2010) والذي وزع فيه كاطالوغ في الموضوع. عن هذه الأنشطة الثلاثة، يمكن أن أقدم شهادة شخصية، حول مدى العناية التي شملتها والنتائج الحسنة التي ترتبت عنها.

أذكر هذه الأمثلة الثلاثة فقط من بين عدد كبير من الإنجازات. ومن المؤكد أننا « نعرفهم من خلال أعمالهم »، ومع ذلك فإن كل ما يمكن أن ينسب للدكتور شريف من أعمال فهو كثير، إضافة إلى أنه من المهم معرفة أفكاره من خلال ما يكتب وما يصرح به، شأن نصه حول الحوار الأوروبي – الإسلامي لدى برلمان المجلس الأوروبي، وكذا الإعلان الدولي الأول ضد معاداة الإسلام الذي قدمه في دائرة الفنون الجميلة بمدريد سنة 2003.

هناك ما هو أكثر من ذلك. ففي سبعينية حياته المثمرة، استطاع العالم الشيخ شريف عبد الرحمان جاه أن يمنح العالم الثقافة والأخوة، مقدما أمثلة رائعة عن نزعة إنسانية نتمنى أن يزداد إشعاعها انتشارا.