لغرض إطلاع الجمهور على ثراء الحضارة الإسلامية من مناظير مختلفة، اهتمّت مؤسسة الثقافة الإسلامية منذ بداياتها بتنظيم معارض فنية مختلفة وأخرى ذات طابع تربوي، بإشراف وإدارة رئيس المؤسسة، السيد شريف عبد الرحمن جاه ـ
الفن وعلم الآثار
«الفن الإسباني الإسلامي»
طليطلة،1987
في إطار حلقة الأيام الأولى للحضارة الإسلامية التي جرى تنظيمها في طليطلة سنة 1987، تمّ عرض عينة هامة للفن والآثار الأندلسية في «كنيسة الشهيد سان بيدرو»، اُستقدم معظمها من متاحف آثار إسبانية ومن بقايا مدينة الزهراء، تمثلت فيما يزيد على 250 قطعة-من بينها قطع لم تعرض على الجمهور من قبل-،برزت منها مصنوعات من الرخام والجصوالبرونز والأخشاب النفيسة.وكان من بين تلك المعروضات صنبور من البرونزيعود إلى عصر الخلافة على شكل ظبي، ومدخل مقوسكشفت عنه الحفريات الأثرية قبل مدة وجيزة، يعودكلاهما لمسجد مدينة الزهراء (القرن العاشر للميلاد). وأطّلع زوار المعرض في الوقت ذاته على المسار التاريخي والفني للأندلس بالكامل، اعتبارا من سنة 711م حتى سقوط غرناطة سنة 1492م، مع وصف مفصّل للصُرح الأندلسية الرئيسة: مدينة الزهراء، وجامع قرطبة الكبير، وبرج الجيرالدا في إشبيلية وقصر الجعفرية في سرقسطة وقصر الحمراء الغرناطيـ
«الفن والتقانة والأدب في إسبانيا المسلمة»
طرويل، 1988
بمناسبة انعقاد حلقة الأيام الثانية للحضارة الإسلامية في مدينة طرويل (إقليم أراغون) سنة 1988، احتضن متحف محافظة طرويل معرضا مثيرا للاهتمام، احتوى على 200 قطعة نفيسة استقدمت من شتى متاحف إسبانيا ومؤسسات ثقافية ومجموعات أهلية خاصة. وتوزعت المعروضات على ثلاثة مواضيع محددة: الفن في عصر الخلافة وممالك الطوائف في المنطقة الشرقية من أراغوان، من خلال مصوغات وقطع رخامية وبرونزية وفضية، مثل صندوق الحكم الثاني المشهور (القرن العاشر للميلاد)، وعينة للتقانة المائية في بلاد الأندلسـ
ومجموعة المخطوطات الأعجمية (الخيمادوde la Junta ) والمحفوظة حاليا لدى المجلس الأعلى للبحوث العلمية في مدريد، والمنحدرة من بلدة ”ألموناثيد دي لا سييرا “، في إقليم أراغون. وكانت جميع تلك المعروضات تهدف إلى تقديم وصف لحياة وعادات الموريسكيين الإسبان، قبل أن يتم طردهم من إسبانيا سنة 1610ـ
الرباط، 2010
يتوخى معرض «قلم، فن الكتاب» أن يعكس أهمية الكلمة والمعرفة في الإسلام، من جانب، ودرجة الكمال التي بلغتها فنون الكتاب العربي عبر القرون، من جانب آخر. كان لـ»اللوغوس» ولـ»الكلمة» أهمية ومعنى خاصان في سياق الديانات التوحيدية الثلاث، ذلك أنهما يرمزان لطريق نقل الرسالة الإلهية، القابلة للتدوين ـ
ويقول الله سبحانه تعالى في محكم الكتاب الكريم:
” قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا“ – سورة الكهف: الآية 109-
هذه الأسباب، إضافة إلى التوق إلى المعرفة والحرية الفكرية اللتين تميّز المسلمون بهما خلال العصر الوسيط، هو ما حفز على انتاج كمية هائلة من المخطوطات. ويضع هذا المعرض، الذي جرى تنظيمه بالتعاون مع المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، أمام نظر زائريه أزيد من 40 مخطوطا أندلسيا ومغربيا، منتخبا من بين محفوظات هذه المكتبة العظيمة التي تخزن نحو 34000 عنوان ـ
وتدور هذه المخطوطات، المعروضة وسط ديكور موحي، واستعراض واسع للوسائل التقنية الحديثة، حول موضوعات متنوعة مثل أهمية التراث المكتوب في الإسلام، ونقل فروع المعرفة كالجغرافيا وعلم الفلك وعلم الزراعة والطب، علاوة على فنون الكتاب الأصيلة في بلاد الأندلس والمغرب العربي ـ
معارض جوالة
إلى جانب المعارض الفنية، تنفّذ مؤسسة الثقافة الإسلامية (FUNCI) برنامجا حافلا لمعارض جوالة ذات طابع
تربوي، تطوف منذ سنوات على مختلف مناطق إسبانيا وبلدان أخرى ـ
جرى افتتاح هذا المعرض المذهل، الذي نظّمته مؤسسة الثقافة الإسلامية بالاشتراك مع مؤسسة «لا كايشا»، في مدينة غرناطة سنة 1996، وزاره في محطاته المختلفة أكثر من 2.900.000 شخص. وأتاح المعرض لزواره الإنغماس بصورة مباشرة في تفاصيل الحياة اليومية للعالم الأندلسي، بهدي شريط متواصل من أشهر الروائح والعطور والطيوب التي شاع استخدامها في بلاد الأندلس بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر للميلاد ـ وحظي زوار ذلك المعرض بفرصة التعرف لأول مرة على معالم الحياة في مدينة إسبانية مسلمة، والاستمتاع بفضاءاتها وأصواتها وروائحها التي تبعث في النفوس سحرا وألفة ـ وبتلك الصورة، وقف الزوار على مجريات الحياة اليومية للأندلسيين، عند ولوجهم في المساحات الرئيسة الأربع لمدينتهم: السوق والجامع والدار وحديقة صحن الدار، وسط روائحها وأصواتها التقليدية وأجواء حميمة ومريحة ـ
بالتوازي مع ذلك كله، حفل المعرض بمواد تعليمية وافرة على شكل نصوص وصور فوتوغرافية ونحو 60 أداة لشمّ العطور، مما أتاح لزوار المعرض التعرف على مجموعة كبيرة من النباتات والتوابل والزهور والثمار التي أورثها مسلمو الأندلس، وتعميق معرفتهم بجوانب أخرى مثل طرق التوابل وفنون الطبخ ومستحضرات التجميل والأدوية التي بلغت شأوا بعيدا في الأندلس خلال القرون الوسطى وخلّفت أثرا عميقا في الثقافة الشعبية الإسبانية الحالية ـ
بلغت العلوم على اختلافها في الأندلس مصافا راقيا من الكمال، ما بين القرنين التاسع عشر والرابع عشر للميلاد. وكان المسلمون، إلى حد ما، ورثة علوم القدامى من العالم الشرقي (الصين والهند وبلاد فارس) ومن عالم البحر الأبيض المتوسط المتمثل في مصر والثقافة الإغريقية الرومانية، على حد سواء، إلا أنهم سرعان ما أضافوا إلى تلك المعارف والعلوم طابعهم الإسلامي الخاص وطوّروا مجمل النظريات العلمية إلى أبعد آفاقها بشكل حاسم ـ
وكانت علوم الفلك والطب والكيمياء والصيدلة والرياضيات والآلات المائية والنبات والزراعة والعمران، من بين تلك العلوم التي سطعت أنوارها من إسبانيا المسلمة على باقي أرجاء شبه الجزيرة الإيبيرية وعموم أوروبا، وأثرت فيها أشد التأثير ـ
وأحيا ذلك المعرض، الذي نظمته مؤسسة الثقافة الإسلامية بالتعاون مع مؤسسة «لا كايشا»، فضاءات مختلفة لتعريف جمهور الزوار بالأجواء العلمية السائدة في تلك الفترة، مثل قاعة الخليفة الأموي عبد الرحمن الثالث في مدينة الزهراء السلطانية (قرطبة) التي تجسد أوج الازدهار السياسي والاجتماعي الذي عاشته الأندلس، والمرصد الفلكي في قرطبة، ما بين القرن التاسع والحادي عشر للميلاد، حيث عرضت أدوات الملاحظة والرصد المعروفة آنذاك (الأسطرلاب والجداول الفلكية والصحائف)، إلى جانب الساعات التي تقيس الوقت بسلسلة من المكائن المثيرة للعجب ـ
وبعد المرور بذانيك الجناحين، يلج الزوار المختبر الكيميائي حيث عمليات تنقية المعادن والرقي بها، جنبا إلى جنب مع صيدلة للأدوية والعقاقير. وكان في إمكان زوار ذلك الجناح أن يعاينوا الكشوفات الطبية-الجراحية للزهراوي (القرن العاشر) وأجواء المكتبات الأندلسية الشهيرة في التبحر بالعلم والمعرفة، أو أن يخرجوا للتمشي في الهواء الطلق، بجانب ناعور يسقي ماؤه دورا وبيوتا تزخر بأشجار مثمرة غريبة (القرن الحادي عشر إلى القرن الثالث عشر للميلاد) ـ وفي نهاية طوافهم بالمعرض، يدخل الزوار في جناح ملهم آخر بقصر الحمراء، وقت تشييده، ليقفوا بأنفسهم على أعمال عرفاء البنائين وفنونهم في كساء الجدران بالآجر (القرن الثالث عشر إلى القرن الرابع عشر للميلاد) ـ
الجنينة الأندلسية: منىً وغياطٌ وباحات
مثلت الحديقة في إسبانيا المسلمة فضاء للالتقاء والتعايش ومحلا للمتعة والتأمل والإبداع، وبوتقة لثقافات تبلور فيها أسلوب خاص للمناظر الطبيعية وتأقلمت وسطها أنواع نباتية متنوعة ومجهولة حتى ذلك الحين ـ وتميزت حدائق الأندلس في تلك الفترة بما يعرف باسم «الباحة المربعّة»، المفروشة بمشاتل واطئة المستوى تتوسطها بركة أو حوض للماء. وكان لذلك الطراز من الجنائن، المستلهَم أصلا من آيات الذكر الحكيم، صلة أيضا بمفهوم الحديقة المغلقة المسورّة، المعروفة في تراث الساميين ـ وظهرت في الأندلس كذلك مساحات خضراء بديعة في البساتين المخصصة للراحة والإستجمام، ذات الآفاق المتدرجة الرحبة التي تبرز مفهوم السلطة، وغياط فسيحة وبساتين لأقلمة الأنواع النباتية الجديدة المستقدمة من أصقاع أخرى ـ
ولتجسيد تلكم الجنائن والبساتين، عني المعرض بعرضها من مناظير مختلفة، عبر نماذج للحديقة البستان والحديقة العلمية والحديقة الصوفية والحديقة الشعرية. ويحفل المعرض بالنصوص والصور الفوتوغرافية والنماذج المجسّمة الصغيرة وأدوات الشم التي تتيح التمتع بروائح شتى أنواع النباتات وعبيرها، وعروض إفتراضية لحدائق تأريخية. كما أن معرض «الجنينة الأندلسية: منىً وغياطٌ وباحات» يكتمل خلال مدة مكوثه في الحدائق البستنية والمباني التذكارية بمسار حي يمكّن الزوار من تأمل بعض النباتات المتميزة في تلك الفترة ـ
الإسلام، ملك للجميع
يشكل هذا المعرض جزءا من مشروع تربوي يرمي إلى محاربة الأفكار الثقافية المجحفة والخوف من الإسلام، ويتوجه لطلبة المرحلتين الإبتدائية والمتوسطة، مع برنامج لتدريب المعلمين والمتطوعين الإجتماعيين، عبر دورات تخصصية، تضمن رصانتها مستشارية التربية في حكومة إقليم مدريد، مع أنه لا يستثني أي نوع آخر من المتلقين نظرا لطبيعته الإعلامية. بتقديم الثقافة الإسلامية للطلبة بصورة تثير فيهم الإهتمام وحبّ الإستطلاع، عبر معلومات بسيطة، وحتى مرحة وممتعة، يتيح لهم المعرض فرصة أن يتأملوا في الثقافة الإسلامية بشكل موضوعي، قد يحملهم على تشخيصها كجزء هام من تأريخهم الخاص ـ
يتكون المعرض، القائم على دراسة دقيقة، بمنظور تأريخي ومعاصر، من 36 لوحة في المجموع، موزعة على تسعة مفاصل جذابة عصرية الطراز، تحتوي على معلومات تخص جميع نواحي الحضارة الإسلامية، القديمة منها والحالية، ومع نخبة مختارة من الصور الفوتوغرافية والوسائل التوضيحيةـ
بموازاة ذلك، تسهم سلسلة من العناصر التفاعلية، غرضها تحفيز الطلبة على المشاركة المباشرة،في تعزيز معرفة وفهم المعلومات المنقولة عبر العرض. وتكتمل نشاطات المعرض في النهاية بتنظيم فصول دراسية وندوات حوار وألعاب تفاعلية أو نوع آخر من الفعاليات ـ