برشلونة – باولا سانتيان – أستاذة في جامعة برشلونة المستقلة
يمثّل كتاب «الإسلام والدستورية: حوار مفتوح» خطوة جديدة لمؤسسة الثقافة الإسلاميّة نحو فهم الإسلام بصورة أعمق، وكسر الأفكار السابقة حول هذا الدين وثقافته المتكوّنة في ذهن الشعب الإسباني. فمنذ أن بدأت هذه المؤسسة الإسبانيّة –التي يترأسها السيد شريف عبد الرحمن جاه– نشاطها عام 1982، لم تتوقف عن تنظيم أنشطة عديدة ومتنوعة في مجاليْ العلم والثقافة على حدّ السواء. وتغطي هذه الأنشطة من معارض فنية، ونشر كتب ومقالات إلى ومشاريع اجتماعيّة وتربويّة مروراً بمشاريع الحفاظ على بيئة المنطقة المتوسطيّة.م
إن كتاب «الإسلام والدستورية: حوار مفتوح» يبيّن فكرة أنّ الإسلام ليس فقط قادراً على المشاركة في تطوير الأنظمة الديموقراطية الغربية، بل أن دوره أساسي في هذه العملية. ويتخذ الكتاب شكلين للإنشاء فمن جهة يقدّم لنا أربع مقالات علميّة –التي قد تميل إلى الأسلوب الأكاديمي أكثر من اللازم بالنسبة للقارئ العام– ومن جهة أخرى خمس مقابلات تدور مع شخصيات بارزة ذات علاقة مباشرة بالمواضيع المطروحة في المقالات.م
ويتركّز المقال الأول، الذي يوقّعه فريق البحث لدى مؤسسة الثقافة الإسلاميّة نفسها، على تحليل الوضع الراهن بما يخصّ موضوع الإسلام والدستورية. فعلى سبيل المثال يُطرح في هذا الفصل مسائل كـأبعاد تأسيس دولة دستورية معاصرة في البلدان العربية أو إذا كانت الشريعة تفرض تشكيل نظام سياسي معين على البلدان الإسلامية. كما يتناول في هذا الجزء بعض التعارضات الواقعة بين مبادئ الإسلام الجوهرية ومبادئ مفهوم الدولة-الأمّة كما يعتبرها الغربيون. ومن أهم هذه التعارضات ثلاثة أمور مركزية وهي: أولاً التمييز بين مفهوميْ الأمة والجنسية؛ وثانياً إبعاد الدين عن المشهد العام؛ وثالثاً الاهتمام المُعطى للفرد في الغرب على الصعيد الاجتماعي وبشكل خاصّ على الصعيد الاقتصادي.م
وبما يتعلّق بهذه النقطة الأخيرة يعالج هذا المقال الأول موضوع انضمام حقوق الإنسان إلى الأنظمة السياسية المعتمدة على الشريعة، غير أنّ هذه العملية تتعارض مع ثلاث مبادئ رئيسية: حقوق المرأة وحقوق غير المسلمين وحرية العبادة. وفي حقيقة الأمر بات موضوع حقوق المرأة أساسياً في هذا العمل الذي يكرس فصلاً كاملاً، وهو المقال الرابع بقلم الأستاذة زيبا مير حسيني (جامعة لندن)، عن مسألة «بناء مفهوم المرأة ضمن الفكر الإسلامي وإستراتيجيات من أجل إصلاحه».م
أمّا بالنسبة للمقال الثاني فيشرح فيه الدكتور نادر شاه حسين (جامعة موناش في أستراليا) ما هي في رأيه الآليات الملائمة لمراقبة السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) في دستورية إسلامية افتراضية، وهذا انطلاقاً من فكرة أنّ النصوص الإسلاميّة التشريعيّة (السنّة والقرآن) لا تحدد تطبيق أي نظام سياسي على غيره، وأنّ الخلافة نظام سياسي أساسه بشري وظرفي كونه يَنتُج عن إجراءات تاريخية معينة. كما يلح الأستاذ حسين على أن إبرام نص دستوري في دولة ما لا يضمن تطبيق نظام دستوري فيها ولذلك يجب الإشراف على هذا النظام من طرف آليات للمراقبة تكون عادلة ومستقلة عن السلطة الحكومية.م
أما الدكتور عبد الله مبروك النجار (جامعة الأزهر) فيعالج في المقال الثالث موضوع «الإسلام والديموقراطية». ولعل هذا المقال يتميّز عن البقية بسبب وجهة نظر صاحبه من حيث اتخاذ موقف متحفظ أكثر من الآخرين ويدافع عن المبادئ الإسلاميّة التقليديّة بطريقة واضحة. فبعد مقدمة حول مبدأ الثبات والمرونة في تأويل الشريعة الإسلامية يدخل المؤلف في موضوع الديموقراطيّة بحد ذاته، ابتداء من تحليل المصطلح لغوياً، وشرح تطبيقاته في سياق الحقوق المدنية. ويتابع بعد ذلك بتأطير مفهوم الديموقراطيّة ضمن التيار الفلسفي الأوروبي وفهمه كعقد بين رئيس السلطة والشعب، وحينئذ يلجأ الكاتب إلى نظريات بعض المفكرين الكلاسيكيين مثل توماس هوبز، جون لوك، وجان جاك روسو. ومن ثم يقارن الدكتور النجار بين طبيعة «العقد» الديموقراطيّ ومجلس الشورى ليستنتج أن الأخير جاء لإصلاح مسار الديموقراطية وليس العكس، لأن في رأيه النظام الديموقراطي يمثّل الطريقة المثالية لاختيار الحكام ولتحديد العلاقات بينهم وبين الشعب، غير أنه لا يلبي المصلحة العامة وهي أمر جوهري في الإسلام.م
وبالإضافة إلى هذه المقالات الرئيسية الأربع يحتوي العمل الذي بين يدينا على خمس مقابلات تزيد من قيمته العلمية، وهي تدور بين كل من المؤسسة والدكتور محمّد هاشم كمالي (الجامعة الإسلاميّة العالميّة في ماليزيا) والأستاذة محرزية العبيدي (قياديّة في حركة النهضة التونسيّة) والدكتورة آسفة قريشي-لانديس (جامعة ويسكونسين ماديسون في الولايات المتحدة الأمريكية) والدكتور عبد الله أحمد النعيم (جامعة إيموري في الولايات المتحدة الأمريكية) والدكتور نادر الهاشمي (جامعة دينبير في الولايات المتحدة الأمريكية).م
إلى جانب الأسئلة الخاصة المتعلقة بخلفيات المخاطبين وتجاربهم الاجتماعية والسياسية تُكرر المؤسسة نفس الأسئلة لكل منهم، وهي تركز على النقاط الجدلية التي أُدرجت في المقالات السابقة. ومن خلال ذلك «الحوار» يدرك القارئ تعدد الآراء المتينة والعاقلة حول هذه النقاط، وعن إمكانية التفاهم الحقيقي بين الحضارات.م
ولا بد من أن نختم مقالنا بذكر أجدّ مشروع لمؤسسة الثقافة الإسلامية وهو مبادرة أخرى لتحطيم الأفكار النمطيّة ضد الإسلام. والمشروع عبارة عن موقع إلكترونيّ بالإسبانيّة والإنجليزيّة بعنوان تويست الاسلاموفوبيا أيْ ما يعنيه بالعربية «قلّبْ رهاب الإسلام»، والذي بدأ نشاطه في الثاني عشر من ديسمبر الماضي بمناسبة «اليوم العالمي ضد رهاب الإسلام».م
ونجد في هذا الموقع مواد ومراجع ثقافية وتاريخية وتربوية متعددة الأشكال (فيديوهات وبودكاست ومنشورات … إلخ.) تكشف لنا الأخطاء المرتكبة المتعلقة بالمفاهيم، وليس فقط على الصعيد الشخصي بل الرسمي والإعلامي أيضاً. وتهدف المؤسسة من خلال إنشاء هذا الموقع الدفاع عن اتخاذ موقف عادل وموضوعي اتجاه الإسلام، والتأكيد على أنّ الحوار الضروري بين الشرق والغرب يتجاوز عنوان كتاب «الإسلام والدستورية» فإنه يغطي روح مؤسسة الثقافة الإسلاميّة كلياً.م