السؤال 1: من هو شريف عبد الرحمن جاه؟
هذا سؤال ينبغي أن يجيب عليه الآخرون، بالأحرى. ولكني سأقول إنّ شريف عبد الرّحمن جاه، في جوهره، شخص ارتحل في شبابه إلى باريس لغرض اكتساب المعرفة والخبرة في ميدان التكنولوجيا، من دون أن يتخلى بسبب ذلك عن إيمانه وتقاليده. شخص يعي أنّ اكتساب المعرفة عملية صهر وسبك، تقتضي المثابرة والجهد، كما يحصل للمعدن في كور الحدادة حتى يصار إلى تطويعه.
ولكنه قبل أي شيء آخر، شخص عاقد العزم على إظهار الوجه الأصيل، المتحاور والعميق، للإسلام وثقافته، وشخص يدرك جيدا واجبه في نقل معارفه وتعليمها، أكانت تلك المعارف قليلة أم كبيرة.
السؤال 2: كيف تقدمون المؤسسة الى القارئالمغربي؟
بصفتها منظمة غير حكومية ذات طابع ثقافي، مضى على وجودها أمد طويل في إسبانيا، مكرّسة للبحوث ونشر الحضارة الإسلامية وقيم الحضارة الإسلامية في الغرب. وهدفنا الرئيسي هو إنماء الحوار بين الشعوب عن طريق الثقافة وتحسيس جمهور الأوربيين بمنجزات الإسلام وإسهاماته الكبيرة، ومقارعة العنصرية وكره الأجانب وأي شكل كان من أشكال الرفض، عبر المعرفة والتعليم، فالجهل أكبر حليف للخوف والرفض المتبادل.في الواقع، لا يرفض الناس إلا ما يجهلونه، كنوع من أنواع الدفاع عن الذات.
بيد أنـّه عندما ننقل عن الإسلام رؤية ايجابية وعميقة وذات طابع إنساني، يضمحل الارتياب وينبعث الفهم والتفاهمـإن القيم الكبرى تجتاز حدود الثقافات وتخدم البشر جميعا على السواء.
السؤال 3: كيف وصل شريف عبد الرحمن جاه الىرئاسة مؤسسة الثقافة الإسلامية؟
كما قلته لك، منذ أكثر من عقدين، قررت مجموعة من الإسبان، ينحدرون من تخصصات أكاديمية شتى ويعشقون الثقافة الأندلسية بشكل خاص، والثقافة الإسلامية بشكل عام، إنشاء مؤسسة كركيزة لأنشطتهم الثقافية. واتصلوا بي، اِعتبارا منهم أنّ تكويني الشخصي والأكاديمي، إلى جانب معرفتي بالعقلية الأوروبية، مؤهلات تلائم غرضهم.نحن نشكـّل المثال الحقيقي لتحاور الثقافات فيما بينها: رئيس عربي وطاقم جلـّه من الإسبان، في سبيل نقل رسالة ذات مضمون كوني.
السؤال 4: ماذا أضاف شريف عبد الرحمن جاه الىالمؤسسة منذ تحمله مسؤولية رئاستها؟
القيام، بالذات، بوظيفة قنطرة ثقافية بين عالمين، وهذا هو الهدف الرئيسي لمؤسستنا. وتقديم رؤية تخصصية صاغتها تربية تقليدية تماما في الثقافة الإسلامية، وفي آن واحد، رؤية مرنة وعصرية عن هذه الثقافة، تنسجم مع العقلية الغربية، وقادرة على استخدام لغة صحيحة لتحقيق قدر أكبر من الفهم. ويجب ألا ننسى أن مؤسستنا نشأت وتطورت لغرض رئيسي هو تقريب الإسبان والأوروبيين إلى الحضارة الإسلامية والقيم الإسلامية، إنطلاقا من منظور رحب ومنفتح ومعاصر.
ولأجل تحقيق عملية النقل هذه، يغدو من الضروري معرفة نقطة التوازن، والتمييز بين ما هو جوهري وما هو عرضي، مع معرفة التكيـّف مع الوقت ولغة العصر. وهذا، بالمناسبة، ما فعله المتصوفة عبر المذهب الباطني على الدوام ذلك أنهم عرفوا كيف يتسامون على الشكل من أجل كشف المضمون، وهو ما يهمّ كثيرا من الناس في الوقت الحاضر، بعد أن سئموا من رؤية قشرة الأشياء وغلافها فقط.
السؤال 5: ما هي درجة الحضور المغربي داخلالمؤسسة؟
على الرغم من أن عملنا يجري أساسا في إسبانيا وفي أوروبا، إلا أن درجة التعاون مع البلدان التي يشكـّل المسلمون فيها الأغلبية هي كبيرة، بلا ريب. وفي هذا السياق، نتعاون مع جامعات ومؤسسات حكومية ومع شتى ضروب الكيانات والهيئات، ولنا مشاريع مع بلدان عربية وإسلامية مختلفة. ولكننا نحافظ مع المغرب على روابط خاصة جدا لقربها الجغرافي والثقافي والتاريخي عن طريق مشاريع ثقافية متنوعة.
ونعتزم حاليا تنظيم معرض “الجنينة الأندلسية” الجوال في عدد من مدن المملكة: مكناس والرباط وفاس والجديدة وتطوان، مع إقامة حديقة أندلسية طبيعية حيّة في بعض الحالات.
علاوة على ذلك، تعاونت مؤسستنا في مشاريع ثقافية عدة مع منظمات مغربية أخرى، وفتحت في الآونة الأخيرة خطا للعمل في ميدان التعاون على التنمية، عن طريق أداء دور الوسيط بين المنظمات الحكومية الإسبانية والأوروبية، من جهة، والمغربية من جهة أخرى لغرض استغلال خبرة كل هذه المنظمات وطاقاتها.مع ذلك، وأرجو أن تسمح لي بالإصرار في هذا الجانب، لا يميّز الإسلام في جوهر رسالته التحاورية المتداخلة الثقافات بين مغاربة واسبان أو بين شرقيين وغربيين، لأن تمييزا مثل هذا سيعني تعارضا مع كونية رسالته وشموليتها، التي هي صالحة للجميع.
السؤال 6: هل الجائزة التي حصلتهم عليهامؤخرا هي تتويج لرئاستكم أم اعتراف بالمؤسسةالتي تدعو الى الحوار الأوربي الإسلامي فيأوربا انطلاقا من إسبانيا؟
يجب أن نكون، في طبيعة الحال، شاكرين لهذه الجائزة وغيرها، بيد أننا لم نركض وراء الشهادات أو الامتيازات قط ّ. فالناس لا تقدّرني ولا تبحث عنـّي لشهاداتي الجامعية أو الجوائز المستحصلة، بل لقربي وللحوار المباشر والصريح الذي أظنني قادرا على تقديمه. وبصدق، نحن لا نبحث عن استحسان النخب وإنما عن نشر حقيقة هذه الثقافة، بكل معانيها، والسعي إلى إيصالها إلى أكبر عدد من الناس.
مع ذلك، أعتقد فعلا أنّ ظنـّك في محلـّه بشأن الهدف من هذه الجائزة، وأرى أنّ المؤسسة تستأهلها بعد كلّ هذه السنوات من العمل لصالح نشر الحضارة الإسبانية في إسبانيا وفي أوروبا ولصالح التحاور بين الثقافات المختلفةـوعليّ أن أقول أن مؤسستنا كانت سبّاقة في هذه المسألة، عندما نظـّمت سنة 1991، مثلا، حوارا متعدد الأطراف في باريس، بالتعاون مع منظمة “اليونيسكو” ومعهد العالم العربي، حول موضوع “إسهام الحضارة الإسلامية في سياق أوروبي”، وكان ذلك سعيا لتعريف أوروبا بمساهمة الإسلام الثقافية الكبيرة في تاريخها وهويتها الثقافية الخاصة. وبالفعل، قمنا بعد ذلك بصياغة التوصية الحادية عشرة… مع مجلس أوروبا، عن طريق اقتراح سلسلة من الإجراءات العملية على البلدان الأوروبية بخصوص هذه المسألة.
لكنه من اللازم أن أقول إن عملنا لم يكن دائما سهلا على مدى هذه السنوات، ولم يحظ بما يستحقه من دعم واعتراف. ولم تأت المعارضة من الأفكار السلفية المسبقة والمجحفة ومن الجهل الأوروبي فحسب، بل إن الأخطر من ذلك أنها صدرت أيضا عن البلدان العربية ومفوضياتها نفسها، ذلك أنها لم تتعاون مع مؤسسة الثقافة الإسلامية أو تساندها دائما، ووضعت العراقيل في طريقها أو غلـّفت عملها بالصمت. إن دور القنطرة الثقافية ما كان دورا سهلا أبدا.
السؤال 7: ما هي أهم الإنجازات التي حققتها المؤسسة في تحقيق الحوار بين الشمال والجنوب؟
برغم تلك المعارضة التي واجهناها، لا بدّ أن أقول إنه بعد كل هذه السنوات من العمل نشعر بالرضا إزاء الاعتراف الذي نحظى به من وجهة النظر الشعبية أو في الشارع العام، حيث نستقبل مثلا أكثر من 60000 زائر في موقعنا على شبكة الانترنت، من إسبانيا وأمريكا اللاتينية وكافة أرجاء العالم. وهذا أمر في غاية الأهمية من أجل إتاحة التقارب.
ولكننا نلنا أيضا إعتراف المؤسسات الحكومية الوطنية والدولية، فنحن في الواقع واحدة من المنظمات التي تقدم المشورة لتحالف الحضارات الذي اقترحه [رئيس الحكومة الإسبانية] رودريغيث ثاباتيرو واعتمدته منظمة الأمم المتحدة، كما نشكـّل طرفا في شبكة المنظمات غير الحكومية التي تقدم المشورة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وفي منظمات أخرى مثل البيت العربي، الذي أنشأته وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإسبانية في مدريد وقرطبة حديثا، برعاية ملك وملكة إسبانيا.
كما أننا راضون جدا عن النتائج المتأتية من ميدان آخر أوليناه اهتماما خاصا: وهو ميدان التربية. فنحن ننظم على على سبيل المثال دورات تدريبية منتظمة للأساتذة الإسبان، لها مؤشر حضور عال وطلب يزداد يوما إثر يومـوالحق فيما كان يقوله فيثاغوراس ساموس: ”علـّموا الصغار كيلا تضطروا لمعاقبة الكبار“.
والحمد لله، يجب أن أعترف بأن النتائج ايجابية فيما يخص أنشطة التحسيس والاهتمام المتزايد الذي يثيره الإسلام، برغم المشاكل الراهنة. وأودّ في هذا السياق أن يدرك المغاربة، مثلا، أنّ ما يتم الدفاع عنه بالعمل والاقتناع يؤتي ثماره في آخر المطاف على الدوامـوإنّ الإرادة والمثابرة والحس بالمسؤولية هي مفاتيح النجاح الفردي، والنجاح الفردي يعود بالنفع وبالفائدة على المجتمع بأسره.